هل ما يجري، الآن، أمام عيوننا حقيقة أم خرافة أم نكتة أم دعابة؟
نحن نتابع، الآن، ما يمكن تسميته «نهاية الجامعة»، بمعنى أن النضال النقابي في المكتب الدفين، رغم أنه كان دائما مجرد لعبة مفضوحة ومكشوفة، فإن ما يجري اليوم يدل على أنه حتى اللعبة المفضوحة انتهت، وبدأ زمن «التـّخرْبيق العظيم».
قبل سنين فقط، توقعنا أشياء جدية، توقعناها مرغمين مع أننا نعرف طبيعة إرتزاق بعض الوصوليين المدعومين من جهات مختلفة تنتفع من المؤسسات الإجتماعية للكهربائيين.. توقعنا أن يستفيق المسؤولون المزيفون لكي يفتحوا عيونهم على الواقع الحقيقي في مؤسسة صارت رهينة في يد الفساد، وقلنا لعل وعسى الربيع العربي ، سيجعل هؤلاء الناس يستفيقون ويقررون أن مستقبل القطاع والبلاد همهم الأهم.
جاءت الانتخابات و لو أنها مزيفة من ألفها إلي يائها فقلنا إن المعينون سيتحركون ، وإلا من كان يتوقع أن يتغير المكتب في رمشة عين؟ هكذا ذهب منافقون قدامي وجاء مرتزقة جدد، ففركنا أيدينا وقلنا إن هؤلاء الدمي القدامي الجدد من المؤكد أنهم لن يكونوا كأسلافهم مجرد بيادق في رقعة «ضامة»، وأنهم بالتأكيد يعرفون وعورة الحاضر وخطر المستقبل.
بعد الانتخابات وتشكيل المجالس المزورة حدث ما لم يتوقعه أحد، وهو أن مرتزقا كان على وشك الرحيل سنة 2003، بعد تطاوله علي المرحوم عبد الرزاق ، هو الذي وصل إلى سلطة صندوق أذار مند تفويض تدبيره لجامعة عمال الطاقة و القوة المحركة ؛ وأصبح زعيمه المتعاقد مع الإذارة يطبق ولاية الفقيه في صيغة جديدة ،هو الذي كان نسخة طبق الأصل من بو خنونة صاحب الكوارث و المصائب ، فقلنا سبحان من يحيي العظام وهي رميم.
رأينا كيف تشكلت المجالس و الجامعة الجديدة دون تجدد ، فبدت لنا مثل ثلك الكائنات الخرافية في الرسوم المتحركة.. فقلنا لربما كانت إكراهات المرحلة تقتضي ذلك، وربما استيقظت أخيرا هذه الخفافيش التقليدية والرجعية المشاركة في جوقة الإنقلابيين المتهافتين من سباتها وعرفت أن كهربائيي الأمس ليسوا هم كهربائيي اليوم.
بعد ذلك ، تتبعنا تلك الحكايات الصغيرة لرئيس الجامعة و الكوس و الكاس و مفتي التعاضدية يحاول الاستئناس بربطة عنق أو يحكي خرافات هنا وهناك، فقلنا ما العيب في ذلك، إنه رجل قريب من العمال أو هكذا بدا لنا، وكثيرا ما جلس على الأرصفة الباردة في التحركات والنضالات النادرة ، وقد جرب بدوره مرارة التعسف الإداري وما يتلوها من إهانات، فكيف لا يعاني من تبعات الأيام الأولى التسلط؟
مرت الأيام سريعا وبدأت «حنّة» الروندي تظهر شيئا فشيئا، فطلعت علينا لوائح الفساد الأولى، أكبرها ، التنازل عن ممتلكات الشركة التعاضدة التكميلية للإذارة ،
نظرنا نحو التلفزيون فرأيناه لا زال ينضح بتفاهاته القديمة وهو يتهجم علي عمال المصحات المطرودون تعسفا من عملهم من طرف جامعة الإتحاد المغربي للشغل ,حاميها حراميها، وكل يوم يصير إثمه أكبر من نفعه، لذلك وضعنا كل أحلامنا في قفة مهترعة سرعان ما توسعت ثقوبها ، بدا وكأنه جني صغير خرج من مصباح سحري، وضع العسل في أفواه أتباعه وقال إنه سيصلح ما أفسده من زكوه و أشرفوا علي تنصيبه مهما كلفه ذلك من ثمن، فحمدنا الله لأننا وصلنا بالمكتب إلى الثورة بدون ثورة ، ويا لها من ثورة ، أتت علي كل المكثسبات .
مرت الأيام والأسابيع والشهور سريعا ونحن نمني النفس بأن قيام الساعة آت لا ريب فيه ، ساعة نهاية الفساد ، لذلك حين بدأ الرونديي وهو، لمن لا يعرفه ، رجل أمي نقابيا ، وصولي ، حقود ، إنقلابي ، إنتفاعي بلا حدود ، ورغم ذالك ، قال مناصروه ومتربصي فتات موائده المأذاة من أموال العمال.. لقد حدد الرجل هدفه ، وقريبا سيبدأ في إطلاق الرصاص، ثم سيجهـِّز مدفعيته الثقيلة، فقرأنا على الفساد سورة ياسين، رغم أنه لا يستحق ولو سفـْرا من التوراة أو الإنجيل .
طال الزمان بنا ونحن نجلس على تلة هذا المكتب ، ونرى المفسدون لا يزالون يتناسلون و تنتفخ ثرواتهم و مناصبهم ، وفي كل لحظة كنا نتوقع رجلا يصرخ فيهم « أيّتها العِيرُ إنّكـُم لسارِقـُونْ »، غير أننا سمعنا صوتا يأتينا من بعيد ويهمس في آذاننا « إنْ أنتـُم إلاّ في ضلالٍ مُبينْ ».